المقدمة العامة
1- تحديد اشكالية البحث :
يعرف الاقتصاد العالمي تحولات عديدة تفرضها الصدمات والتطورات الدولية , ابتداءا من سيطرة اقتصاديات السوق وانتشار ظاهرة الخصخصة , وانشاء منظمة التجارة العالمية واتفاقيات حرية التجارة الى غير ذلك من التغيرات وخصوصا أن المصالح الاقتصادية أصبحت هي الموجه الأول للعلاقات السياسية . وقد أدت هذه التطورات الاقتصادية العالمية الى توجه غالبية دول العالم الى احداث اصلاحات اقتصادية عميقة وجذرية في كيان نظمها الاقتصادية لمواجهة المنافسة الدولية ولاسيما أن المحاولات الجزئية للاصلاح لم تعطي النتائج المرجوة منها .
ويعد اصلاح النظام المصرفي الخطوة الأساسية للاصلاح الاقتصادي بحيث يحتل النظام المصرفي ضمن الهيكل المالي للاقتصاد مركزا حيويا في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية من خلال قدرته في تدفق الأموال بين فئات الاقتصاد الوطني ولهذا يشير الكثير من الاقتصاديين أنه لولا الخدمات الكثيرة التي قدمها النظـام المصـرفي في الدول المتقدمة لما استطاعت هـذه الدول أن تبلغ ما بلغته من تقدم اقتصادي ونمو .
كما أثبتت التطورات الاقتصادية في الدول النامية التي تسعى جاهدة لتحقيق التنمية المحلية بموارد مالية محدودة أهمية دور النظام المصرفي في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية الاقتصادية والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي من خلال الحد من الحالات التضخمية والانكماشية التي تصدع ا الاستقرار .
ويمثل الاقتصاد الجزائري نموذجا لاقتصاد نام , وهو يمثل حالة اقتصاد سلكت فيه الدولة بعد الاستقلال أسلوب التخطيط المركزي كوسيلة للوصول بالاقتصاد الوطني الى درجة متقدمة من التطور والنمو .
وتعتبر مرحلة التسعينات التي مرت بها الجزائر أدق مراحل التحول في تاريخ الاقتصاد الجزائري الحديث فقد بدا واضحا الاتجاه نحو تحرير الاقتصاد الوطني في اطار برنامج لعلاج المشاكل الأساسية التي يعاني منها والتي تعد بمثابة قيد على نموه . فمن اختلال في التوازن الخارجي في صورة عجز مزمن في ميزان المدفوعات مع مديونية كبيرة أدت الى استيعاب نسبة كبيرة من عوائد الصادرات لمقابلة أعباء خدمات الدين الخارجي الى اختلال في التوازن الداخلي والذي وجد صداه في ارتفاع معدل التضخم المصاحب للعجز في الميزانية العامة للدولة تغذيه وتتغذى عليه بالتزامن مع معدل مرتفع للبطالة , وكل ذلك في اطار سيطرة القطاع العمومي على القسط الأكبر من النشاط الاقتصادي .
ونظرا لان عبء تنفيذ سياسة الاصلاح الاقتصادي في الجزائر يقع في أحد جوانبه على البنوك , وعليه أصبح اصلاح النظام المصرفي حتمية سواء من حيث منهج تسييره وادارته أو من حيث المهام المنوطة به . فالملاحظ أن قدرة هذه البنوك في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية لم تحقق النتائج المرجوة منها فرغم أن النظام المصرفي يعتبر أهم المؤسسات الادخارية داخل الاقتصاد الجزائري الا أن مستويات الادخار المعبئة من طرف هذا الجهاز بقيت محدودة , بحيث لايزال الكثير من الأفراد خارج نطاق العملية المصرفية وخدماتها , أي لاتزال الكثير من الأموال طليقة في الاقتصاد دون أن يتمكن النظام المصرفي من تعبئتها لخدمة التنمية الاقتصادية .
كما أن ماقدمه النظام المصرفي من تمويل مباشر وغير مباشر للتنمية ورغم أهميته الا أنه كان يعتمد في الأساس على الجباية البترولية والاصدار النقدي والديون الخارجية مما ساهم في ابراز اختلالات نقدية داخلية وخارجية أثرت على الاستقرار الاقتصادي والنقدي .
يمكن القول أن النظام المالي والنقدي عموما لم يستند على مبادئ حقيقية مجدية , ولم يبنى على نطاق مؤسسي ملائم ومحدد ولا على حقائق اقتصادية مسلمة , ولذلك عملت الجزائر على ايجاد وضع ملائم وسياسة فعالة وتنظيم محكم للجهاز المصرفي حتى يؤدي دوره المنوط له , ويظهر ذلك جليا من خلال القوانين والتشريعات الاقتصادية بدءا بقانون ( 86-12 ) فقانون ( 88-06 ) وبعد ذلك جاء قانون ( 90-10 ) المتعلق بالنقد والقرض الذي يعتبره رجال الاقتصاد حجر الزاوية للاصلاحات الاقتصادية والمالية في الجزائر نتيجة تأثيره الشامل على هذه الأخيرة .
ومن هنا كان اختيارنا لموضوع الاصلاحات المصرفية للوقوف على الدور الذي لعبه النظام المصرفي في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية في هذه الفترة , وان كانت هذه المشكلة الرئيسية التي يدور حولها البحث , الا أنه لاينبغي اهمال العديد من الموضوعات النقدية والمالية والاقتصادية التي تشكل الاطار العام في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية والتي لايمكن لاي دراسة أن تتجاهلها كمدخل لها . وعندما بدأ الباحث في دراسة هذا الموضوع , وجد الباحث نفسه أمام عدة أسئلة منها :
- هل الاصلاح المالي ضرورة للاصلاح الاقتصادي ؟
- ماهي مكونات الاصلاح المالي ؟
- متى يتم الاصلاح المالي – اذا كان الاصلاح المالي ضرورة ؟
- هل استطاع البنك المركزي أن يسترجع مكانته كمركز للنظام النقدي ؟
- هل استطاع النظام المصرفي القيام بدوره التقليدي في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية الاقتصادية والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي ؟ .
2- أهمية البحث :
يعتبر موضوع اصلاح النظام المصرفي واثار ذلك على دوره في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية بالغ الأهمية سواء من الناحية العلمية أو العملية .
2/1- أهمية البحث العلمية : ترجع هذه الأهمية الى كون البحث استعراض لجانبين هما تعبئة المدخرات وتمويل التنمية يمثلان نشاط مؤسسة أعمال اقتصادية تمنحها معظم الدول أهمية خاصة في تطلعاتها نحو التنمية , حيث يشكل هذين الجانبين والمؤسسة التي تقوم بهما ( الجهاز المصرفي ) جزء من النشاط التنموي داخل الاقتصاد ويؤمنان شكلا من الاستقرار الاقتصادي والسياسي من خلال ضمان حالة الاعتماد على الموارد المالية المحلية لخدمة أغراض التنمية .
2/2- أهمية البحث العملية : تأتي هذه الأهمية من الفترة التي يغطيها البحث في الاقتصاد الجزائري , وهي تمثل مرحلة انتقالية يمر بها الاقتصـاد الوطني والتي تتميز بالتحول وعدم الاستقرار , حيث تشكل سنوات هذه الفترة صـدور العديد من القوانين الاقتصادية والمصـرفية على الخصوص , ابتداءا بقانون 86-12 فقانون 88-06 وقانون النقـد والقـرض 90-10 الصـادر بتاريخ 16 أفريل 1990 وتعديلات 23 أوت 2003 , بالاضافة الى أن هذه الفترة عرفت تطبيق برنامج الاستقرار الاقتصادي والتعديل الهيكلي على مدى فترتين متتاليتين هما (1994-1995) و( 1995-1998) .
3- أهداف البحث :
يتناول البحث بالدراسة والتحليل دور النظام المصرفي الجزائري في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية خلال فترة الاصلاحات الاقتصادية والمصرفية وذلك للوقوف على اثر هذه الاصلاحات في تفعيل هذا الدور , كما يهدف الى تحقيق مجموعة أهداف فرعية منها :
3/1- التعرف على السياسات الاقتصادية المتبعة خلال الاصلاحات الاقتصادية .
3/2- ابراز علاقة السياسة الائتمانية بالسياسة الاقتصادية والمالية في الاقتصاد الجزائري .
3/3- التعرف على دور الاصلاحات المصرفية في تهيئة المناخ لعمل السياسة الائتمانية للقيام بدورها الهام والمساهمة في عملية التنمية والانعاش الاقتصادي .
3/4- تحديد السلطة المشرفة على السياسة النقدية والهيئات التي لها علاقة مباشرة برسم السياسة النقدية .
3/5- التعرف على أهمية المدخرات الوطنية في عملية التنمية .
3/6- التعرف على منهج النظام المصرفي في تعبئة المدخرات المحلية وشكل الأوعية الادخارية التي يطرحها .
3/7- التعرف على منهج النظام المصرفي في تمويل الاقتصاد في الجزائر وشكل السياسات المعتمدة في ذلك .
3/8- اختيار الطريقة التي لابد على النظام المصرفي أن يزاول بها نشاطه والتي تستلزم قواعد الكفاءة الاقتصادية لتحقيق مساهمة أكبر في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية .
3/9- تحديد المتغيرات المؤثرة في النشاط المصرفي في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية , سواء كانت تلك المتغيرات تحت سيطرة النظام المصرفي أو خارج اطار رقابته ودرجة اعاقتها للنظام المصرفي والحد من قدرته في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية .
فرضيات البحث :
تقوم الدراسة على عدد من الفروض يحاول الباحث إثبات مدى صحتها وهي :
4/1- مسيرة اصلاح الاقتصاد الجزائري عرفت تطورا نوعيا في الفترة ( 1986-2001 ) لكونها عرفت اصدار العديد من القوانين الاقتصادية والمصرفية , وهي الفترة التي بدأت فيها بعض أدوات السياسة النقدية تظهر الى الوجود وتتطور بشكل تدريجي .
4/2- يعد الاصلاح المصرفي خطوة رئيسية في الاصلاح الاقتصادي .
4/3- السلطة التي تشرف على رسم السياسة النقدية وتنفيذها هي البنك المركزي , وهذا البنك يجب أن يتمتع باستقلالية تامة في اتخاذ القرارات المتعلقة بذلك وتنفيذها لكي تتحقق الأهداف الاقتصادية .
4/4- توجد علاقة بين السياسة الائتمانية والسياسة الاقتصادية وكذلك السياسة المالية وهي علاقة تكامل لا تضاد .
4/5- ان تطور الودائع المصرفية كوعاء ادخاري في النظام المصرفي لاترتبط بأي متغيرات مثل سعر الفائدة أو نسبة الاحتياطي أو عدد الوحدات المصرفية أو حجم البنك أو الخدمات المصرفية في عمومها . مما يعني أن قدرة النظام المصرفي في تعبئة المدخرات تعتمد على متغيرات خارج سيطرة هذا النظام .
4/6- تؤدي التنمية الاقتصادية الى تنامي حجم السوق الذي يؤدي بدوره الى تنامي الطلب على الائتمان المصرفي وبالتالي تزداد الودائع المصرفية , ولهذا فان للائتمان المصرفي اثره المحسوس في زيادة المدخرات المصرفية في شكل ودائع كما أن للودائع المصرفية اثرها المحسوس في زيادة الائتمان .
5- محددات البحث :
حدد الباحث لدراسته اتجاهين :
5/1- تناول الأول تقييم دور النظام المصرفي في تعبئة المدخرات خلال فترة الاصلاح الاقتصادي باستعراض دور البنوك التجارية في ذلك من خلال الوديعة المصرفية بأشكالها المختلفة دون التطرق الى البنك المركزي الجزائري إما بسبب محدودية الودائع فيها أو لعدم توفر البيانات عنها.
5/2- في حين تناول الثاني تقييم دور النظام المصرفي في تمويل التنمية للفترة نفسها من خلال استعراض مقدار التمـويل الذي قدمه هذا النظـام بمؤسساته العامة المختلفة ونوعه وابـراز الأثـر التضخمي أو الانكماشي لهذا التمويل على الاقتصاد الوطني .
6- مصادر البحث :
حصل الباحث على البيانات الثانوية التي تخدم أهداف البحث من المصادر التالية:
6/1- التقارير السنوية للبنك المركزي الجزائري ونشراته المختلفة
6/2- التقارير السنوية والفصلية الصادرة عن المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي ( CNES ) .
6/3- المجموعات الاحصائية السنوية للديوان الوطني للاحصاء .
6/4- البيانات المنشورة من قبل صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات الدولية والمصرفية الأخرى .
6/5- الكتب والمراجع العلمية والدوريات والرسائل الجامعية والتي يعتقد الباحث بأنها أغنت الرسالة وسهلت لها السبيل لبحث جوانب الموضوع على أساس سليم .
7- المنهج والأدوات المستعملة في البحث :
للاجابة على الاشكالية المطروحة وتحقيق أهداف الدراسة قام الباحث باستخدام الأسلوب التحليلي الوصفي لاستعراض السياسات الاقتصادية المتبعة خلال فترة الاصلاح , ولبيان الاتجاهات العامة لاثر الاصلاحات الاقتصادية والمصرفية على دور النظام المصرفي في تعبئة المدخرات وتمويل التنمية , كما استخدم الأسلوب الاحصائي من خلال الاستعانة بمجموعة من الأدوات الاحصائية الملائمة لتحليل مجموعة البيانات والمعلومات التي وردت في البحث .
8-هيكل البحث :
لتحقيق أهداف البحث والتوصل الى النتـائج والتوصيـات أرتأينا أن يتكون هذا البحث من أربعة أبواب , تناول الباب الأول منها وفي الفصل الاول عرضا تاريخيا عن تطور هيكل النظام المصرفي الجزائري منذ تأسيسه حتى استقر بشكله الحالي .
أما الفصل الثاني فقد تناول الباحث فيه استعراضا لشكل السياسات المختلفة التي عمل في ظلها النظام المصرفي ودوره في الاسهام في احداث الاستقرار الاقتصادي والنقدي .
ويشمل الباب الثاني من الرسالة على فصلين الثالث والرابع حيث يناقش الفصل الثالث مغزى الاصلاح الاقتصادي وشروط الجهات الدولية في منح القروض , ويستعرض لسياسات التحرير والاصلاح الاقتصادي في الجزائر.
أما الفصل الرابع فقد تناول الباحث فيه أهمية تزامن اصلاح النظام المصرفي مع الاصلاح الاقتصادي ومبادئ وأهداف اصلاحات النظام المصرفي الجزائري .
ويشمل الباب الثالث من الرسالة اثر اصلاحات النظام المصرفي الجزائري على تعبئة المدخرات وذلك من خلال الفصلين الخامس و السادس حيث يناقش الفصل الخامس السلوك الادخاري في الاقتصاد الجزائري مستعرضا أهمية المدخرات في عملية التنمية الاقتصادية ومصادرها القطاعية .
في حين ناقش الفصل السادس تقييم دور النظام المصرفي الجزائري في تعبئة المدخرات خلال فترة الانفتاح الاقتصادي من خلال استعراضه لسياسات النظام المصرفي في تعبئة المدخرات متطرقا الى أشكال الأوعية الادخارية المطروحة من قبله خلال الفترة 1986-2001 , واستعراضه لعدد من المعايير التحليلية , وكان الغرض من هذا الفصل هو الاجابة على تساؤل هام يدور حوله محور البحث وهو هل أدى النظام المصرفي الجزائري دورا هاما في تعبئة المدخرات ؟ .
أما الباب الرابع فقد استعرض من خلال الفصلين السابع والثامن دور النظام المصرفي الجزائري في تمويل التنمية , حيث تناول الفصل السابع أهمية النظام المصرفي في تمويل التنمية الاقتصادية وبيان دور كل من مؤسساته المختلفة في ذلك .
وقد استعرض الفصل الثامن تقييم دور النظام المصرفي الجزائري في تمويل التنمية من خلال تحليليه لسياسات البنك المركزي والبنوك التجارية والبنوك المتخصصة ( الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط ) ودور كل من هذه المؤسسات في عملية التمويل خلال الفترة 1986-2001 . وكذلك إظهار دور النظام المصرفي الجزائري في تمويل التنمية أثناء فترة الاصلاحات المصرفية من خلال عدد من المعايير التحليلية وكان الغرض من هذا الفصل هو الاجابة على تساؤل هام يدور حوله محور البحث أيضا وهو هل تمكن النظام المصـرفي الجزائري من تمويل التنمية من ناحية حجم التمـويل والمحافظة على الاستقـرار الاقتصادي والنقدي .
أما في الأخير فتم استعـراض خـلاصة الدراسة وأهـم النتائج التي توصل اليها الباحث وبعـض التوصيات .
الباب الأول :
تطور النظام المصرفيالجزائري على ضوء
الاصلاحات .
الفصل الأول : تطور هيكل النظام المصرفي الجزائري
الفصل الثاني : النظام المصرفي الجزائري وتأثيره على عرض النقود
الباب الأول :
تطور النظام المصرفي الجزائري
على ضوء الإصلاحات
تناول الباب الأول من هذا البحث وفي الفصل الاول شكل التطور الذي صاحب النظام المصرفي الجزائري منذ نشأته حتى الوقت الراهن سواء في هيكله ,أوإطار البيئة التي عمل في ظلها بحكم القوانين والتشريعات المنظمة لفعالياته .
أما الفصل الثاني فقد تعرض الباحث فيه لشكل السياسات المختلفة التي عمل في ظلها النظام المصرفي الجزائري ودوره في الاسهام في إحداث الاستقرار الاقتصادي والنقدي .
الفصل الأول :
تطور هيكل النظام المصرفي الجزائري
بذلت السلطات الجزائرية , بعد الاستقلال مباشرة , كل مافي وسعها لاستعادة مجمل حقوق سيادتها في ذلك حقها في اصدار النقود وإنشاء عملة وطنية , فباشرت بإنشاء نظام بنكي جزائري سواء عن طريق تأميم الفروع البنكية الأجنبية أو عن طريق تأسيس بنوك جديدة .
المبحث الأول : مرحلة تكوين النظام المصرفي الجزائري ( 62-85) :
يعتبر النظام المصرفي الجزائري نتاج تحولات تمت عبر عدة مراحل بعد الاستقلال في 1962 . وتشكل في البداية من ارث المؤسسات والهياكل الموجودة في هذه الفترة . وأنطلاقا من عام 1967 تم إضفاء السيادة عليه , وبدأ يتضح هيكله الذي عكس التوجهات السياسية والاقتصادية للدولة أنذاك .
المطلب الأول : الاجراءات الطارئة بعد الاستقلال .
بعد الاستقلال مباشرة بدأت نواة تشكل النظام المصرفي الجزائري من خلال إضفاء السيادة على المؤسسات المالية الكبرى ,وذلك من خلال إحداث الدولة الجزائرية لمعهد إصدار خاص بها ليحل محل بنك الجزائر (1) , وتم إنشاء كذلك الخزينة الجزائرية بعزلها عن الخزينة الفرنسية في 31 ديسمبر 1962 , ومن أجل عملية التنمية الوطنية التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة لتمويل الاستثمار تم تأسيس الصندوق الجزائري للتنمية في سنة 1963 الذي تحول فيما بعد إلى البنك الجزائري للتنمية . ثم بعد
ذلك تم إنشاء الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط الذي تحول فيما بعد إلى بنك متخصص في تمويل السكن , ولكن الاجراء الأكثر أهمية في ذلك الوقت هو إصدارعملة وطنية تتمثل في الدينار الجزائري خلال سنة 1964 وهذا الأخير غير قابل للتحويل و قيمته مطابقة للقيمة الذهبية للفرنك الفرنسي أنذاك وقد وضعت هذه العملية حدا لتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1 ) القانون رقم 62-441 المصادق عليه من قبل المجلس التأسيسي في 13 ديسمبر 1962, والمتعلق بإنشاء البنك المركزي الجزائري وتحديد قانونه الأساسي .
إن النظام المصرفي الجزائري إلى غاية 1966 كان لايزال نظاما ليبراليا يتكون من مجموعة كبيرة من البنوك الأجنبية يتجاوز عددها العشرين (1 ) . وكان التوجه العام لهذه البنوك التي تمتلك سيولة هامة يميل نحو رفض تمويل إستثمارات القطاع العام بحجة غياب القواعد التقليدية للعمل المصرفي مثل الأمن و القدرة على الوفاء (2 ) . مما أضطر الخزينة العمومية الجزائرية أن تقوم بدور الممول للاقتصاد الوطني بالاعتماد على تسبيقات معهد الاصدار , الذي كان بدوره مجبرا على الدخول في علاقة مباشرة لتمويل النشاط الفلاحي في الفترة الممتدة مابين 1963-1967 (3) . والنتيجة كانت إزدواجية النظام المصرفي . الأول قائم على أساس ليبرالي يسيطر عليه الخواص , والثاني قائم على أساس اشتراكي تسيطر عليه الدولة , مما خلق تناقضا على مستوى أداء النظام المصرفي كانت نتيجته قيام الدولة بتأميم البنوك الأجنبية وظهور المصارف الحكومية .
المطلب الثاني : تأميم البنوك الأجنبية :
إن توجهات الجزائر المستقلة كانت تتطلع لبناء دولة إشتراكية تقوم على الملكية العامة لوسائل الانتاج.
وعرف هذا التطلع إستحالة التخطيط الاقتصادي وسط فوضى المؤسسات المالية الأجنبية والأهداف التي كانت ترمي إليها الدولة الفتية , لذلك تقرر تأميم البنوك الأجنبية إبتداءا من سنة 1966. وقد كان هذا القرار بداية لاعادة تشكيل النظام المصرفي , حيث نتج عن ذلك ميلاد ثلاثة بنوك تجارية تعود ملكية
رأسمالها كليا إلى الدولة وهي : البنك الوطني الجزائري(BNA) , القرض الشعبي الجزائري (CPA), وبنك الجزائر الخارجي(BEA) .
وكان الغرض من إنشاء هذه البنوك الثلاثة كسر حدة الإحتكار المصرفي الأجنبي والرغبة في تقديم مساهمات جادة في عملية التنمية الاقتصادية للبلد , وكانت بداية عمل هذه البنوك ترتكز نظـريا على
نوع من التخصص , حيث يقوم كل بنك منها بتمويل مجموعة من قطاعات الاقتصاد الوطني وفي هذا الصدد تكفل البنك الوطني الجزائري (BNA) بتمويل القطاع الاشتراكي الفلاحي , و التجمعات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
M.E. Benissad : Essais D analyse monétaire avec référence à l algerie opu- (1)‘1975- p . 16
: Essais d analyse monétaire, op , cit , p . 16 (2) M. E. Benissad
(3) أحمدهني – العملة والنقود – ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر . 1991 ص 139
المهنية للاستيراد , و المؤسسات العمومية والقطاع الخاص . أما القرض الشعبي الجزائري (CPA) فقد تكفل بتمويل النشاط الحرفي والفنادق والمهن الحرة , في حين تخصص بنك الجزائر الخارجي (BEA) في تمويل التجارة الخارجية (1) .
المطلب الثالث : مرحلة مابعد التأميم .
وقد توالت عملية إعادة تنظيم هيكل النظام المصرفي إنطلاقا من سنة 1982 ( خاصة بعد أن عرفت المؤسسات الانتاجية العمومية هي كذلك تسوية هيكلية والدخول في تجربة الاستقلالية المالية ). وكان الغرض من وراء ذلك تخفيض العبئ عن الخزينة , وعودتها إلى أداء دورها كصندوق للدولة ومنح البنوك دورا فعالا في الاقتصاد الوطني ونتج عن إعادة الهيكلة هذه بنكان تجاريان وهما : بنك الفلاحة والتنمية الريفية (BADR) وبنك التنمية المحلية(BDL) . وتغير مع تأسيسهما نوعا ما هيكل نظام التمويل
وأدى هذا الاجراء إلى خلق نوع من التركيز المصرفي ( التخصص المصرفي ) من خلال إسناد البنك الأول مهام القطاع الفلاحي وترقية الأنشطة المختلفة المتواجدة في الريف على الصعيد الوطني . أما الثاني فكانت مهمته تكمن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية .
المطلب الرابع : هيكل النظام المصرفي عشية إصلاحات 1986 :
وفيمايلي نحاول عرض هيكل النظام المصرفي خلال الفترة الممتدة من الاستقلال إلى غاية 1986.
1 . البنك المركزي الجزائري :
تأسس هذا البنك بموجب القانون رقم 62-144 المصادق عليه من قبل المجلس التأسيسي في 13 ديسمبر 1962 ( 2). وقد ورث فعاليات بنك الجزائرالمؤسسة المصرفية التي أنشئت إبان الاستعمار
الفرنسي سنة 1851 برأسمال قدره 3 ملايين فرنك فرنسي مقسمة على 6 آلاف سهم . ( 3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) M. E Benissad : Essais d analyse monétaire, op . cit p 17 . ( 2) الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية , 28 ديسمبر 1962
( 3) د/ شاكر القزويني : محاضرات في إقتصاد البنوك , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1992, ص 49 .
ومن الناحية القانونية البنك المركزي الجزائري هو مؤسسة عامة وطنية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي . وقد أسندت إلى هذا البنك كل المهام التي تتكفل بها البنوك المركزية وبذلك أصبح هو المسؤول عن الاصدار النقدي وعن معدل إعادة الخصم . ونجد أن هذا البنك قد تم تنصيبه كبنك البنوك بحيث يشرف على السياسة النقدية ويراقب ويوجه الائتمان . وهو كذلك بمثابة بنك الحكومة نظرا لما يقدمه من تسبيقات للخزينة العمومية وما يخصمه من سندات مضمونة من طرفها , وكانت هذه التسبيقات محددة بنسبة 5 % من الايرادات العادية المحققة للدولة خلال السنة المالية السابقة (1) .
هذا على مستوى النصوص أما على مستوى الواقع فالبنك المركزي وضع كلية لخدمة الخزينة وهذا بمنحها تسبيقات غير منتهية , الشئ الذي قلل من دور البنك المركزي في الاقتصاد الوطني أنذاك . ونجم عن ذلك الكثير من اللامبالات في الاصدار النقدي دون مقابل , مما أدى إلى بروز الاختناقات النقدية وظهور التضخم .
ويرأس البنك محافظ ومديرعام يتم تعيينهما بمرسوم من قبل رئيس الجمهورية وباقتراح من وزير المالية,
ويقوم مجلس الادارة ( 2) بتسيير شؤون البنك , ويتألف هذا المجلس من المحافظ – رئيس المجلس –
والمدير العام وعشرة إلى ثمانية عشر عضوا من كبار المسؤولين والمختصين في الشؤون النقدية والمالية (3)
2 . البنك الجزائري للتنمية :
تأسس البنك الجزائري للتنمية (BAD) بموجب القانون رقم 63-165 الصادر في 07 ماي 1963 , وأول ماظهر كان يحمل إسم الصندوق الجزائري للتنمية (CAD) , وظهر في شكل
مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي( 4) . وطبقا لقرار قانون المالية الصادر بتاريخ
07 جوان 1971 تم تحويل هذا الصندوقإلى البنك الجزائري للتنمية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة 53 من القانون الأساسي للبنك المركزي .
( 2) المادة 19 من القانون الأساسي للبنك المركزي .
( 3) د/ شاكر القزويني :محاضرات في اقتصاد البنوك , مرجع سبق ذكره , ص . 57
(4) أنظر القانون رقم 63-165 الصادر بتاريخ 07 ماي 1963 .
وضع هذا البنك مباشرة تحت وصاية وزارة المالية , وهو مكلف بتمويل الاستثمارات المنتجة في اطار البرامج والمخططات الخاصة بالاستثمارات , وتغطي قطاعات نشاطه جزءا كبيرا من الاقتصاد الوطني وتشمل الصناعة بما فيها قطاع الطاقة والمناجم وقطاع السياحة والنقل والتجارة والتوزيع والمناطق الصناعية والدواوين الزراعية وقطاع الصيد ومؤسسات الانجاز (1).
وحل البنك محل خمسة بنوك فرنسية . أربع مؤسسات كانت تتعاطى الائتمان المتوسط الأجل ومؤسسة خامسة للائتمان الطويل الأجل وكانت كلها تمارس النشاط المصرفي أثناء الوجود الاستعماري في الجزائر وهذه المؤسسات هي :
_ القرض العقاري
_ القرض الوطني
_ صندوق الودائع والارتهان
_ صندوق صفقات الدولة
_ صندوق تجهيز وتنمية الجزائر (2) .
ولكن الواقع غالبا ما لا يطابق تماما النصوص , فالبنك الجزائري للتنمية كان محدود الفعالية في تعبئة المدخرات المتوسطة والطويلة الأجل , وكانت الموارد التي ظل يستعملها في التمويل تقدم له من طرف الخزينة (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمود حميدات : مدخل للتحليل النقدي , ديوان المطبوعات الجامعية _ الجزائر 1996 _ 130 .
(2) شاكر القزويني : محاضرات في اقتصاد البنوك مرجع سبق ذكره – الجزائر- 1992 ص 157
(3) الطاهر لطرش : تقنيات البنوك , ديوان المطبوعات الجامعية –الجزائر 2001- ص187 .
3 . الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط :
لقد تم إنشاء الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط (CNEP) بموجب القانون رقم 64-227 المؤرخ في 10 أوت 1964 . وحدد القانون دور ونشاط الصندوق التي تمثلت في جمع الادخار من المواطنين واستغلاله في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية , وتمويل البناء , وتمويل الجماعات المحلية .
وشرع الصندوق في جمع الادخار من العائلات والأفراد في الفترة الممتدة ما بين 1964-1970 ,
ثم بعد ذلك تم خلق نظام الادخار المخصص للسكن في 1971 إذ كان معدل الفائدة على الادخار في هذه الفترة يقدر ب 3.5 % سنويا (1). في حينها أسندت إلىالصندوق مهمة تمويل السكن الاجتماعي باستعمال المبالغ المدخرة والمال العام .
وفي بداية الثمانينات أسندت مهام جديدة للصندوق تمثلت في :
- منح القروض للخواص بغرض البناء الذاتي أوفي إطار جمعيات بالنسبة للمدخرين أوغير المدخرين
- تمويل مشاريع الترقية العقارية للمدخرين فقط .
وأدى نظام تمويل السكن هذا عن طريق الصندوق إلى إزدياد مدخرات العائلات وإرتفاع بالتالي موارده المالية ولقد فتح الصندوق عدة امكانيات للتوفير منها (2) :
أ ) دفتر للادخار بالعملة الصعبة
ب) دفتر للادخار الشعبي
ج) حسابات للادخار بالنسبة للأشخاص الطبيعيين
د) ودائع آجلة بالنسبة للأشخاص المعنويين .
4 . البنك الوطني الجزائري :
أنشئ البنك الوطني الجزائري (BNA) بمرسوم رئاسي يحمل رقم 66-178 المؤرخ في 13 جوان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) , ( 2) عبدالقادر بلطاس : الاقتصاد المالي والمصرفي (السياسات والتقنيات الحديثة في تمويل السكن – الجزائر – 2001 ،ص 33 .
1966 لكي يسد الفراغ المالي الذي أحدثته البنوك الأجنبية وليكون وسيلة للتخطيط المالي وركيزة
للقطاع الاشتراكي والزراعي ( 1) وهو يمثل نقطة تحول مهمة للاقتصاد الوطني من طرف السلطات في إطار إنشاء منظومة بنكية وطنية وتجسيد الارادة السياسية التي بدت واضحة في استرداد البلاد لسيادتها الاقتصادية , وهذا ما عبر عنه عبد الحميد طمار بالمصطلح الاقتصادي " ضرورة التحكم في المستقبل " وبالمصطلح السياسي بـ" ضرورة تنظيم ديمقراطية الشعب "(2) , وهو أول بنك تجاري حكومي للجزائر المستقلة .
واسترجع البنك الوطني الجزائري نشاط مجموعة من البنوك الأجنبية والتي نعددها فيما يلي :
_ القرض العقاري للجزائر وتونس في شهر جويلية 1966
_ والقرض الصناعي والتجاري في شهر جويلية 1967
_ بنك باريس الوطني في شهر جانفي 1968
_ بنك باريس وهولندا في شهر 1968 (3).
ويقوم هذا البنك أساسا بتعبئة المدخرات الوطنية ومنح القروض للقطاعات الاقتصادية العمومية صناعية كانت أو زراعية . بالاضافة الى العمليات المصرفية التقليدية التي تقوم بها البنوك التجارية .
5 . القرض الشعبي الجزائري :
أنشئ القرض الشعـبي الجزائري (CPA) في 29 ديسمبر 1966 . وقد استرجع أصـول
البنوك الشعبية العديدة التي كانت متواجدة في الجزائر قبل هذا التاريخ(4 ) والمتمثلة فيمايلي :
_ البنك الشعبي التجاري والصناعي الوهراني
_ البنك التجاري والصناعي للجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) أنظر الأمر رقم 66-178 بتاريخ 13 جوان 1966
(2) لعشب محفوظ , القانون المصرفي , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر , ص . 15 .
(3) محمود حميدات : مدخل للتحليل النقدي , مرجع سبق ذكره , ص 130 . (4) أنظر الأمر رقم 66-36 المؤرخ في 29/12/1966 المعدل والمتمم بالأمر رقم 67-75 المؤرخ في 11/05/1967 والمتعلق بإنشاء القرض الشعبي الجزائري .
_ البنك الجهوي التجاري والصناعي لعنابة
_ البنك الجهوي للقرض الشعبي الجزائري .
تم دمج جميع هذه الفروع البنكية وأسس على أنقاضها القرض الشعبي الجزائري في 29 ديسمبر 1966 الذي تم تدعيمه فيما بعد بضم بنك الجزائر_ مصر في أول جانفي 1968 وضم الشركة المارسيلية للبنوك بتاريخ 30 جوان 1968 والشركة الفرنسية للتسليف والبنك في سنة 1971 .
ويعد القرض الشعبي الجزائري ثاني بنك تجاري من حيث النشأة ويقوم بجمع الودائع و تمويل الصناعات المحلية و التقليدية, والمهن الحرة , والسياحة , والصيد البحري والري , ويقوم بمنح الائتمان للإدارات المحلية وتمويل مشتريات الولاية والبلدية والشركات الوطنية . بالاضافة إلى أنه يقوم بجميع العمليات المصرفية التقليدية الأخرى كغيره من البنوك الجزائرية .
6 . البنك الخارجي الجزائري :
تأسس هذا البنك بموجب الأمر رقم 67-204 بتاريخ 01 أكتوبر 1967 عن طريق إسترجاع
أصول خمسة مصارف أجنبية ( 1) وهي :
_ القرض الليوني بتاريخ 12 أكتوبر 1967 والذي بدوره قد ضم البنك الفرنسي للتجارة الخارجية .
_ الشركة العامة في عام 1968
_ وبنك التسليف الشمال في عام 1968
_ البنك الصناعي للجزائر وبنك البحر الابيض المتوسط كذلك في عام 1968
_ وبنك باركليز الفرنسي في سنة 1968 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)شاكرالقزويني : محاضرات في اقتصاد البنوك , ديوان المطبوعات الجامعية _ الجزائر 1992 , ص 156.
ويمثل البنك الخارجي الجزائري ثالث بنك تجاري من حيث النشأة وبتأسيسه تمت جزأرة الهياكل المصرفية والمالية في الجزائر . ويقوم البنك بمهمتين أساسيتين : الأولى خاصة بالودائع والإقراض , والثانية خاصة بالتجارة الخارجية . وبإمكان هذا البنك أن يتدخل في مختلف العمليات البنكية مع الخارج التي تتمثل بالدرجة الأولى في منح الاعتمادات عن الاستيراد ويعطي ضمانات للمصدرين الجزائريين .
وكان كل واحد من البنوك التجارية الثلاثة التي تم تأميمها متخصصا في مجال معين من النشاط الاقتصادي . غير أن الاطار القانوني الذي وضعه القانون 62_441 المتعلق بإنشاء وتحديد القانون الأساسي للبنك المركزي الجزائري بدأ يفقدفعاليته تدريجيا .
فخلال السنة المالية 1966 , تم رفع الشرط المحدد لتسبيقات البنك المركزي للخزينة بمعدل 5 % ( في المائة) (1) , كما أن الاصلاحات التي أعقبت ذلك غيرت القطاع المالي تغييرا كليا . فإبتداءا من الاصلاح المالي لعام 1971 أصبح القطاع المالي الجزائري يتميز بثلاث خصائص هي :
_ التمركز
_ هيمنة دور الخزينة
_ إزالة تخصص البنوك التجارية من خلال الممارسة .
وفي هذا الصدد تم تدعيم النظام الجديد لتمويل قطاع الانتاج التي أصبحت الخزينة العمومية بموجبه وسيطا ماليا أساسيا أي بتعبير آخر أصبحت مركز النظام المالي للاقتصاد بالاعتماد الكلي على الخزينة حيث تضمن تحديد مصادر تمويل الاستثمارات المخططة كالاتي :
_ القروض الطويلة الأجل الممنوحة من من موارد الادخار المعبئة من طرف الخزينة الممنوحة من قبل الهيآت المالية المتخصصة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظرالمادة 53 من القانون 62_ 441 المتعلق بإنشاء وتحديد القانون الأساسي للبنك المركزي الجزائري .
_ القروض المصرفية متوسطة الاجل القابلة للخصم لدى مؤسسة الاصدار .
_ القروض الخارجية .
لم تكن آثار الاصلاح المالي لعام 1971 محدودة من الناحية العملية , حيث أدت الى الانتقال التدريجي للنظام المالي الى وصاية وزارة المالية , وبالتالي تراجع دور البنك المركزي الجزائري وأصبح ينحصر في عمليات أطلق عليها "عمليات السـوق النقدية " . كما تراجع دور البنك المركـزي الجزائـري عن
التحديد المباشر للسياسة النقدية . وخلال هذه الفترة , أصبح عرض النقود يشكل في اطار التخطيط , متغيرا داخليا يجب أن يتكيف حتما مع متطلبات الاقتصاد , وهكذا ارتبط اصار النقود لصالح الخزينة , الوسيط المالي الرئيسي للاقتصاد , بشكل هائل بالاحتياجات المصرح بها لهذا الأخير .
7 . البنك الفلاحي للتنمية الريفية :
تأسس هذا البنك بمرسوم رقم 82-106 بتاريخ 13 مارس 1982 وأخذ صلاحيات البنك الوطني الجزائري في ميدان تمويل القطاع الفلاحي و القطاع الفلاحي الصناعي والتي كانت موطنة لدى هذا الأخير سابقا . و تنص المادة الأولى من قانون تأسيسه على أنه بنك للإيداع والتنمية ويندرج تلقائيا في قائمة البنوك . كما تنص المادة الرابعة علىأن مهمة هذا البنـك تتمثل خاصة في تنفيذ جميـع العمليات
المصرفية والاعتمادات المالية على اختلاف أشكالها والمساهمة في :
1- تنمية مجموع قطاع الفلاحة .
2- تطوير الأعمال الفلاحية التقليدية والزراعية الصناعية وإستخدام وسائله الخاصة لتمويل :
أ – هياكل الانتاج الفلاحي وأعماله .
ب- الهياكل والأعمال المرتبطة بما يسبق إنتاج قطاع الفلاحة ومايلحقها .
ج- هياكل الأعمال الزراعية الصناعية المرتبطة بالفلاحة .
د- هياكل الصناعة التقليدية في الوسط الريفي وأعمالها .
8 . بنك التنمية المحلية :
تأسس هذا البنك بالمرسوم رقم 85-85 المؤرخ في 30 أفريل 1985 ( 1 ) . وهو ثاني بنك تجاري إنبثق عن عملية إعادة هيكلة المنظومة المصرفية , كما ورث هذا البنك قسما من أسهم مملوكة للصندوق الشعبي الجزائري .
يقوم هذا البنك بممارسة نوعين من النشاطات :
1_ نشاط مصرفي تقليدي ونشاط متخصص ويتلخص نشاطه المصرفي فيمايلي :
- جمع المدخرات الوطنية .
- منح الائتمان للقطاع العمومي والخاص .
- القيام بعمليات الصرف والتجارة الخارجية .
2_ أما نشاطه المتخصص فيكمن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية بحيث يقوم بتمويل المؤسسات والشركات العامة ذات الطابع الاقتصادي تحت وصاية البلديات والولايات ويعمل على إنجاز مخططات الجماعات المحلية التي تنبثق عن المخطط الوطني للتنمية .
ويلاحظ أنه قـد تغير مع تأسيس هذين المصرفين نوعا ما هيكل نظام التمويل وأدائه وكان إجـراء
تأسيس بنوك جديدة تتكفل بتمويل قطاعات معينة ( 2 ) يهدف إلى ترسيخ تخصص البنوك . وفي هذا
الاطار نم إسناد لكل بنك مهام محددة يقوم بها فأسند للبنك الأول مهام تمويل القطاع الفلاحي وترقية الأنشطة المختلفة المتواجدة في الريف على الصعيد الوطني , أما الثاني فكانت مهمته تكمن في المساهمة في
التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية , رقم 19 الصادرة بتاريخ 01 ماي 1985 .
) 2) Badou cherif:le systeme bancaire algérien . un systeme au service de la planification - article "Banques et Management" . décembre . 1985 .